شكيب أرسلان: أمير الهمة / تعرف عليه

Ξ بقلم سلطان عبد الرحمان خليفي

يجد كل جيل في أفراده رجالا يقومون بأعباء السياسة وتطواف البلدان وشحذ الهمم لنهضة البلاد والعباد ومن هؤلاء الرجال في أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين أمير البيان شكيب أرسلان. لقد سخر هذا الأمير من بلدة الشويفات في جبل لبنان حياته كلها لخدمة الأمة الإسلامية والعربية أملا في أن تنهض وترفع عن نفسها غبار الهزيمة وتطرد الاستعمار من بلادها.

إن شكيب أرسلان قامة من قامات العالم الإسلامي الذي يجدر بشبابنا أن يحذوا حذوه ويسيروا على شاكلته وقد أمسك بزمام القلم مدافعا عن أمته وناصحا لها وموجها. لقد أعطى شكيب أرسلان حياته للعلم والنشاط السياسي. أما نشاطه العلمي فقد كتب وترجم الكثير فمما كتب: لماذا تأخر المسلمون وتقدم غيرهم؟ وتاريخ غزوات العرب في فرنسا وسويسرا وجزائر البحر المتوسط وغيرها الكثير.

تعلم من اللغات الإنجليزية والفرنسية والتركية والألمانية. ساعد تعلم اللغات الأمير أرسلان في التواصل مع العديد من رجالات السياسة العالمية خلال زياراته لهم. وإذ أن حياة الأمير شكيب أرسلان مليئة بالأحداث فإن تركيزنا ينصب على حراكه السياسي والذي يدل على اهتمامه بأحوال الأمة وعلو همته في أن يساهم في رفع الحرج عن أمته بما يقودها لغد مشرق ومستقبل زاهر.

ما قام به أرسلان سياسيا من وساطات واتصالات مع النخب العربية والعالمية لتعريف العالم بأحوال العالم العربي وما يعانيه من استعمار ظالم، تضعف عن القيام به كثير من المؤسسات بمواردها الضخمة، وهذا إن دل فإنما يدل على أن الحرقة للتغيير والتأثير مع كثرة التجارب معينة على التأثير وإن لم تبلغ النفس جميع ما تبتغيه.

تنوعت آراء شكيب أرسلان السياسية بالنظر إلى سمة عصره المضطربة ففي بداية حياته كان مؤيدا للحفاظ على الخلافة العثمانية حيث رأى أن سقوطها يمهد لاستيلاء الدول الاستعمارية على العالم العربي ومع ذلك كان رافضا لجور الكماليين عندما استبدوا بالحكم. وبعد نبذ مصطفى كمال أتاتورك للدين وتحوله للعلمانية، دعا الأمير شكيب أرسلان إلى الوحدة العربية ويُعد من أوائل من دعا للجامعة العربية.

من الحوادث الأولى التي أظهر فيها الأمير حماسا سياسيا لدعم أبناء الأمة الإسلامية في نضالهم ضد الاستعمار هي الحرب بين إيطاليا وطرابلس الغرب في عام 1911 فشد رحله للمشاركة مع المجاهدين وبقي هناك 8 أشهر وكان معه عدد من القادة العسكريين العثمانيين، أوكلت جمعية الهلال الأحمر المصرية للأمير نقل ستمائة جمل تحمل مؤونة للمجاهدين في برقة بحسب ما يرصد أحمد الشرباصي في كتابه “أمير البيان”.

انتخب الأمير شكيب أرسلان نائبا عن منطقة حوران في مجلس المبعوثات التركي وفي عام 1917 و1918، قام بمهمتين لألمانيا بتكليف من أنور باشا وزير الحربية في الدولة العثمانية الأولى لاستطلاع أحوال ألمانيا على جميع النواحي ومدى قدرتها للاستمرار في الحرب والثانية لاستطلاع رأي وزارة الخارجية الألمانية في دعم استقلال المسلمين في القوقاز.

بعد انتقاله لجنيف في عام 1925 لتصبح مقره للتأثير من أجل القضايا العربية، وطد أرسلان علاقاته مع الحركة الوطنية المغربية وزار تطوان في أغسطس عام 1930 وأقيم له حفل لاستقباله في بيت السياسي المغربي عبد السلام بنونة وكان تحت مراقبة المخابرات الاسبانية والفرنسية وقد رأوا توافد مثقفي وأعيان المغرب لاستقباله، أمر بالمغادرة وذهب الأمير أرسلان إلى إسبانيا.

إثر ذلك الاستقبال، أنشئت أول جمعية سرية مغربية في سبتمبر 1930 لمواجهة الاستعمار بالمغرب (عمر رياض: مراسلات الأمير شكيب أرسلان) في هذه الفترة، طلب فيصل الأول بن الحسين ملك العراق من شكيب أرسلان أن يتوسط بينه وبين الملك عبد العزيز وقبل أرسلان التوسط لما في ذلك من تقوية للوحدة العربية. كانت جنيف نقطة انطلاقة لشكيب أرسلان لنشاطاته السياسية الداعية للوحدة العربية. كتب ما يقارب 1500 إلى 2000 رسالة سنويا وما يقارب 250 مقالة صحفية من خلال مجلته Le Nation Arabe أو أمة العرب إن صح التعبير وغيرها من المجلات. وهذا الانتاج الغزيز يدل على أن قلبه وعقله مشغولان بهموم أمته.

لم يغفل الأمير شكيب أرسلان أيضا أحوال المسلمين في أوروبا فقد زار دول البلقان في مناسبتين عامي 1933 و1934 وقابل أعيان المسلمين وتعرف على أحولهم ثم عقد المؤتمر الاسلامي في جنيف عام 1935 والذي هدف لدراسة وتحسين أحوال المسلمين في أوروبا. كذلك، زار الأمير شكيب أرسلان برلين مقابلا وزارة الخارجية الألمانية في موضوع هجرة اليهود لفلسطين في فترة الاحتلال البريطاني.

وقام الأمير شكيب أرسلان مع آخرين بالتوسط بين السعودية واليمن عندما قامت الحرب بينهما على الحدود في عام 1934 ووفقوا في عقد الصلح بين البلدين بعد جهد دام 4 أشهر. هذه الوساطة من قبل شخصيات عربية لا تحمل أي صفة رسمية تبين الأثر الكبير والاحترام الذي حازه الأمير شكيب أرسلان في العالم العربي. كانت أخر وصايا الأمير شكيب أرسلان قبل وفاته بيومين في عام 1946 عندما زاره الأستاذ عبدالله المشنوق أن يبلغ وصيته للأمة العربية قائلا:

أوصيكم بفلسطين.

إن حياة الأمير شكيب أرسلان مليئة بالتجارب التي تصقل الرجال في النشاط السياسي المكثف وما ذكر ليس إلا غيضا من فيض نشاطاته. لقد عاش عزيزا ومرامه استقلال الأمة العربية والإسلامية وأن تأخذ مكانها الطبيعي بين الأمم محافظة على تراثها وتقاليدها مستفيدة من علوم الحضارات الأخرى ما ينفعها. إن نشاطاته السياسية حقيقة بالدراسة والتتبع وأن تكون نبراسا للناشطين العرب في العالم العربي للإقتداء بعزمه وصلابته في التعريف بقضايا أمته.

المصدر : مدونات الجزيرة

Get real time updates directly on you device, subscribe now.

مقالات ذات صلة

علق على هذه المادة

التعليقات تعبر عن رأي صاحبها فقط ... كما يرجى الالتزام بالأداب العامة

4 + = 8