Ξ بقلم إسماعيل عزام
لم ألتق بالأستاذ المعطي منجب إلّا مرات نادرة. لكن الرجل منذ أكثر من سبع سنوات، وكلما اتصلت به لتصريح صحفي، في مجال تخصصه، أي التاريخ، كان يجيب الدعوة بأسرع ما يمكن. منجب هو أحد المراجع الحية القليلة في المغرب فيما يتعلّق بالتاريخ المعاصر، وطبعا ليس لمجرّد رده على سؤال صحفي فهو ملاك، لكن كذلك، كل من يعرفه عن قرب وكل من تتبع ما يجري من اعتقالات للأصوات المستقلة سيدرك أن الرجل ليس أبدا شيطانا ولا مجرما ولا غاسلا للأموال.
تعرّض منجب منذ أكثر من خمس سنوات لحملة تشهير واسعة. منابر ومواقع جعلته الهدف الأبرز لتغطيتها. خُيل لي أحيانا أن المعطي منجب هو الخطر الأكبر الذي يتهدد الدولة نظرا لكل ما كُتب عنه، في حين أن الأمر يتعلّق برجل اختار أن تكون له مواقف وآراء عكس ما يقوله جلّ المحللين الذين يملؤون القنوات العمومية، ومنهم أصحاب مراكز لا وجود لها إلا على لسانهم، بينما كان منجب يدير مركزا كان موجودا على أرض الواقع ونظم الكثير من الأنشطة.
لكن المثير أن مواقف منجب ليست راديكالية بقدر ما هي انتقادات لهيئات كانت تتعرّض للانتقاد في المغرب قبل عودة الرّدة الحقوقية منذ نهاية عام 2013، لتدخل بعد ذلك في دائرة القداسة بشكل غير مباشر، اللهم إن كان الأمر يتعلّق بترجمة مقالاته للغات أخرى ولاستضافته من قنوات دولية أو لرفضه خفض سقف الانتقاد بعد كل التحذيرات التي وجهت إليه، أو لوقوفه مع كل من تعرّضوا للاعتقال خلال السنوات الأخيرة بسبب آرائهم.
اتهم المعطي منجب بالمس بأمن الدولة منذ 2015، ولم يجد القضاء دليلا على هذه التهمة الخطيرة ليتم تأجيل المحاكمة لحوالي 20 مرة، وبعد ذلك مُنع من التدريس ومن إلقاء المحاضرات وأغلقت ذات مرة الحدود في وجهه، وفي النهاية جاءت تهمة أخرى غريبة هي غسيل الأموال، لتتفنن مواقع التشهير -المتخصصة كعادتها في ضرب كل صاحب رأي مستقل تنفيذا للتعليمات التي تصلها- في ضرب الرجل، فمرة هو يملك الكثير من الحسابات البنكية ومرة يملك الكثير من العقارات ومرة أستاذ شبح ومرة مؤرخ مزور.
صرّح منجب أكثر من مرة بممتلكاته للجميع وتبين أن أراضي نفختها مواقع التشهير ما هي إلا مساحات أرضية في القرية تعود لنصيبه من إرث عائلته. والمثير أن أيّ متتبع لقضيته سيدرك أنه حتى ولو تمّ تصديق كل ما لحقه من تهم سابقة حول الأملاك فإن الرجل أبعد ما يكون عن غسل الأموال.
الواقع ببساطة أن كلّ من لديه رأي مستقل يتعرّض للتضييق والاعتقال، وهم الآن يتفنون في توزيع التهم، مرة الاتجار بالبشر، مرة التستر على إدخال الدبابات، مرة هتك العرض، مرة التجسس، ولا أحد يعلم أيّ تهمة يعدونها لمن يوجد على لوائحهم.
من تجربة بسيطة.. هل تريد أن تعلم أن أحدهم مظلوم؟ راقب الهيني إذا هاجمه، راقب ماذا تكتب عنه مصادر التشهير، راقب كيف يهاجمه الذباب الإلكتروني، وستخلص للنتيجة لوحدك!