بعيدًا عن الأندلس.. أوطان سابقة للمسلمين تحولوا فيها إلى أقلية

همس نيوز

التاريخ أشبه ما يكون بكائن حي، والجغرافيا أيضًا، فبمرور السنوات تتحرك حدود الدول اتساعًا وانحسارًا، تولد إمبراطوريات وتفنى أخرى. وكما تنتقل دورة حياة الفرد من الميلاد والضعف إلى فترة الشباب والقوة، إلى مرحلة الشيخوخة والعجز، ثم إلى الموت، تسير دورة حياة المجتمعات والدول على المنوال نفسه، والتاريخ يخبرنا بأنه لا محاباة لأحد في سير «سُنة التداول» عليه، وأن «تلك الأيام نداولها بين الناس».

ومن يتجاهل الاعتبار بسنة التداول، سينظر إلى فقدان المسلمين للأندلس على أنه حدث نادر لم يقع إلا في هذه الحالة فقط، ولم يبتلى المسلمين غير به. إلا أن الواقع غير ذلك، ونظرة إلى حركة تغيير حدود القارة الأوروبية – على سبيل المثال- خلال الألف عام الأخيرة، تثير الكثير من الدهشة والعجب، وتشرح كيف تتداول الأيام بين الناس.

ومعرفة ذلك، تدفعنا إلى التفتيش في التاريخ أكثر؛ لنعرف أن الأندلس ليست فقط التي ضاعت من أيدي المسلمين، بل هناك دول أخرى عديدة لحقت بها، إلى جانب دول أخرى مهددة بالمصير ذاته، إنْ استمر تجاهل أسباب القوة والتقدم.

تستعرض السطور التالية بعض الدول التي كانت إسلامية يومًا ما.

1. مملكة فطاني.. محط أطماع مملكة سيام

فطاني هي المنطقة الواقعة بين ماليزيا وتايلاند، ويرجع أصل سكانها للمجموعة الملايوية، الذين يتكلمون اللغة الملايوية ويكتبونها بأحرف عربية. والفطانيون بهذه الخلفية، أقرب إلى مسلمي ماليزيا منهم إلى سكان تايلاند.

يعود انتشار الإسلام في فطاني إلى القرن الخامس الهجري، بفضل التجار القادمين من شبه الجزيرة العربية إلى جنوب الهند، ومن ثم إلى شبه جزيرة الملايو التي كان لها دور مهم في انتقال الإسلام إلى تلك المنطقة، وقبل وصول الإسلام إلى فطاني كان السكان يدينون بالبوذية والهندوسية.

وفي ظل سيطرة المسلمين على طرق التجارة في كل من المحيط الهندي والهادي أصبح انتشار الإسلام سهلًا في تلك المناطق، لكن الوجود الحقيقي للإسلام كان عندما أسلم السلطان إسماعيل شاه، مما فتح الباب للدعاة الذين قدموا من بلاد العرب، ومن مملكة آتشيه المسلمة، التي توجد في إندونيسيا الآن. وقد سَمّى السلطان إسماعيل شاه المملكة بدار السلام تعبيرًا عن حبه للإسلام.

بدأت مأساة المسلمين في فطاني عندما تعرضت دولتهم للغزو من مملكة سيام البوذية – التي عرفت فيما بعد بتايلاند– عام 1603، والتي عدتها جزءًا من أراضيها؛ فقد عمل البوذيون منذ أواخر القرن الثاني عشر الهجري على احتلال البلاد، طمعًا في خيراتها وثرواتها، إلا أن هذا الغزو فشل في احتلال البلاد بفضل المقاومة الشرسة التي أبداها السكان.

ثم تجددت الأزمة عام 1786م، حين شنت تايلاند حملات عسكرية ضد سلطنة فطاني المسلمة، وأحرقت خلالها مدينة فطان وقلاعها العسكرية، وأسرت 4 آلاف من سكانها المسلمين، وأجبرتهم على السير على الأقدام مسافة 1300 كيلو متر، وهم مكبلون بصورة غير إنسانية، ثم استخدمتهم في أعمال شاقة، مثل شقِّ القنوات، ما أسفر عن موت الكثير منهم.

في سنة 1902م قضت تايلاند نهائيًّا على استقلال السلطنة المسلمة، بإبعاد آخر سلطان مسلم فيها، تنكو عبد القادر قمر الدين، وتعيين حاكم بوذي عليها، ومنذ ذلك الوقت ضُمَّت فطاني إلى تايلاند قسرًا.
2. شبه جزيرة القرم.. جمهورية التتار المسلمين!

تقع جمهورية القرم في شبه جزيرة تمتد من جنوبي أوكرانيا بين البحر الأسود وبحر آزوف، وعاصمتها كييف. ويفصلها عن روسيا من الشرق مضيق كيرش، وشكل التتار المسلمون الغالبية العظمى من سكانها، والقرم تعني في لغة أهلها «القلعة».

وصل الإسلام إلى شبه جزيرة القرم عن طريق التتار، وعندما وصل التتار إلى شبه جزيرة القرم جذبوا من كان بها من الإغريق والإيطاليين إلى الإسلام، وكانوا يبذلون جهدهم في نشر الإسلام بين جيرانهم.

واستقر تتار القرم في شبه الجزيرة في نهاية النصف الأول من القرن الثامن الهجري، وكانوا قسمًا من دولة المغول، ثم استقلت دولة القرم تحت حكم أسرة كيراي منذ سنة 831هـ- 1427 م، وقويت دولة القرم التتارية بمد نفوذها على الأراضي المجاورة لها، وبلغت قوتها أن إمارة موسكو كانت تدفع لها جزية سنوية، في عهد السلطان محمد كيراي، في النصف الأول من القرن العاشر الهجري، وخضعت موسكو لحكمها حتى عام 918هـ.

بعد نحو قرن من الزمان، قويت شوكة الروس وبدأوا في مهاجمة أطراف دولة القرم، التي بدأت تضعف، فاستولوا على القسم الشمالي منها في سنة 1091هـ- 1680م، وهب الأتراك العثمانيون لنجدتهم، وتحالف تتار القرم والدولة العثمانية، فنزل العثمانيون جنوب شبه جزيرة القرم، ودام هذا التعاون قرابة قرن.

ولما أصاب العثمانيين الضعف في الجهة الشمالية، تمكن الروس من غزو شبه جزيرة القرم في سنة 1198هـ- 1783م، ومنذ ذلك الحين بدأ الاضطهاد الديني لمسلمي القرم، وطرد الروس من شبه جزيرة القرم نصف مليون نسمة.

وفي سنة 1347هـ- 1928م اتجه الروس إلى جعل شبه جزيرة القرم موطنًا ليهود روسيا، فاحتجت حكومة القرم ولم تستسلم بسهولة، فأعدم رئيس جمهوريتها وأعضاء حكومته، ونُفي 40 ألف مسلم من القرم إلى سيبريا.

وفي أثناء الحرب العالمية الثانية، اتهم السوفيت سكان القرم بالتعاون مع الألمان، فصدر قرار مجلس السوفيت بإلغاء جمهوريتهم في سنة 1363هـ- 1943م، وجرى تنفيذه، وشرد تتار القرم، وأرغموا أهلها على الهجرة الإجبارية إلى سيبريا وآسيا الوسطى، وهرب مليون وربع مليون منهم إلى تركيا، ولم يبق من 5 مليون مسلم من تتار القرم غير نصف مليون فقط، وهدم السوفيت 1500 مسجد، علاوة على مئات المعاهد والمدارس.

وفي سنة 1387هـ- 1967م قرر مجلس السوفيت براءة تتار القرم من تهمة التعاون مع الألمان، وألغى قرار الاتهام السابق، ولكن بعد فوات الأوان وتشريد شعب كامل.

3. البلقان.. 10 مجازر كبرى بحق مسلمي البلقان منذ الانسحاب العثماني

يمثل مسلمو البلقان خليطًا مجتمعيًّا متنوعًا، سياسيًّا، وإثنيًّا، ولغويًّا، وثقافيًّا، ومذهبيًّا، وهم في الأغلب سكان المنطقة الأصليون، وقد اعتنقوا الإسلام على امتداد قرون طويلة. وتنقسم دول البلقان إلى بلغاريا، وصربيا، والبوسنة، والهرسك، وألبانيا، ومقدونيا، وكوسوفو، وكرواتيا، ورومانيا، والجبل الأسود، وسلوفينيا.

وكانت بداية دخول الإسلام إلى جنوب شرق أوروبا في القرن الثامن الميلادي على خلفية حصار مدينة تساري غراد، وتمكن بعض سرايا الجيش الإسلامي من بلوغ الجزر اليونانية وأدرنة.

وقد انتشر الإسلام في دول البلقان جنوب شرق أوروبا على عدة مراحل، بدأت عن طريق التجار المسلمين؛ وتطورت هذه العلاقات بإرسال السفارات بين بلغاريا والدولة العباسية، كما تجلى ذلك في رحلة الفقيه أحمد بن فضلان الشهيرة في عام 309هـ إلى هذه البلدان. فقد ذكر في رحلته إسلام ملك البُلغار، وتبعيته السياسية للخلافة العباسية، فكان يُخطب للملك يلطوار البلغاري «اللهم وأصلح عبدك جعفر بن عبد الله أمير بلغار مولى أمير المؤمنين».

أما المرحلة الثانية لانتشار الإسلام في البلقان فكانت في القرن السابع الهجري، حين استوطنت القبيلة الذهبية التي كانت فرعًا من البيت المغولي في الحوض الأدنى لنهر الفولجا، وسرعان ما اعتنقت هذه القبيلة الإسلام.

المرحلة الثالثة من مراحل الوجود الإسلامي في البلقان، كان على يد الدولة العثمانية في النصف الثاني من القرن السابع الهجري، وتوسع هذا الوجود بصورة منظمة سياسيًّا وعسكريًّا حتى بلغ أشده في عصر مراد الأول، الذي تمكن من فتح مدينة أدرنة في سنة 763هـ- 1361م، واتخذها عاصمة له، وسار منها نحو البلقان وفتح حصونها، وعقد صلحًا وبينه وبين ملك اليونان، ثم فتح نيس التابعة للصرب، وأجرى صلحًا مع ملك الصرب مقابل جزية سنوية يدفعها للعثمانيين، ثم فتح منطقة قُوصووه (كوسوفو) سنة 1389م، ثم انتقل إلى ألبانيا، ثم نجح العثمانيون في إخضاع بلغاريا في عام 1395 م.

بعد ذلك انتشر الإسلام بين سكان البلقان الذين أخذ عددهم في التزايد منذ زمن الحكم العثماني، ثم ما لبثوا أن تحولوا بعد الانسحاب العثماني من المنطقة إلى أقليات مبعثرة بين دول عدة وباتوا أقليات مهمشة ومضطهدة، باستثناء مسلمي ألبانيا، وكوسوفو، والبوسنة الذين حافظوا على وحدتهم ودينهم، رغم ما تعرضوا له بدورهم من عمليات تصفية عرقية، وقد أحصى بعض المؤرخين 10 مجازر كبرى تعرض لها مسلمو البلقان منذ الانسحاب العثماني.

ولا توجد إحصائيات دقيقة حول عدد المسلمين في البلقان، لكن أكثر الترجيحات تحدد أعدادهم بين 8.5 مليون نسمة و11 مليون نسمة، أو ما يتراوح بين 11% و15% من مجموع سكان المنطقة البالغ 77 مليون نسمة.

4. ميانمار.. هكذا بدأت معاناة الروهينجا

وصل الإسلام إلى إقليم أراكان في القرن السابع الميلادي، وكون شعب الروهينجا مملكة دام حكمها 350 عامًا، ثم انفرط عقدها على أيدي الغزاة البورميين عام 1784، وبدأت معاناة الأقلية المسلمة في ميانمار منذ ذلك التاريخ.

ووصل المسلمون دلتا نهر إيراوادي في بورما، وولاية أراكان في القرن التاسع، وقد وثق الرحالة العرب، والفرس، والأوربيون، والصينيون، مستوطنات المسلمين الأولى، ونشرهم الإسلام في القرن التاسع.

فالبورميون المسلمون هم من سلالة شعوب مسلمة من العرب، والفرس، والأتراك، والمورو، ومسلمين هنود، والبنغال والبشتون، ومسلمين صينيين، والملايو استقرت وتزاوجت مع المجموعات العرقية المحلية في بورما مثل الأراكانيين، والشان وغيرهم.

وكان المسلمون الذين وصلوا بورما إما تجارًا، وإما مستوطنين، وإما جنودًا، وإما لاجئين، ومع هذا فقد استلم الكثير منهم مناصب مهمة في الدولة مثل مستشاري الملك، ومسؤولين ملكيين، وسلطات الموانئ، ورؤساء البلديات، وأطباء تقليديين.

أول ظهور لاضطهاد المسلمين في ميانمار كان في عهد الملك باينوانغ 1589 م، وفي الوقت الحالي، تتمثل معاناة الأقلية المسلمة في بورما (الروهينجا) في الحرمان من الحقوق السياسية والحريات الدينية، فلا يحق لهم على سبيل المثال الدراسة في المدارس والجامعات الحكومية.

كما صودرت الأوقاف الإسلامية التي كان أشهرها الأراضي الموقوفة على مسجدي «ماونجدو جيم»، و«آكياب جيم»، والأراضي التي كانت مخصصة لمقابر المسلمين والتي أقيم عليها ملاعب رياضية وأديرة.

وقد واصلت قوات الأمن في ميانمار ارتكاب انتهاكات خطيرة ضد مسلمي الروهينجا طوال العقود الماضية، ما عمّق الكارثة الإنسانية وانتهاكات حقوق الإنسان في ولاية راخين. وفرّ أكثر من 730 ألف من الروهينجا إلى بنغلادش المجاورة، منذ أن بدأت الحملة العسكرية للتطهير العرقي في أغسطس (آب) 2017.

وبحسب المصادر الغربية، تبلغ نسبة المسلمين الذين يتمركزون في إقليم أراكان 4% من إجمالي السكان البالغ عددهم حوالي 42 مليونًا. إلا أنه حسب تقرير الحرية الدينية الدولية لعام 2006 من وزارة الخارجية الأمريكية، فإن أعداد الأقليات غير البوذية في التعداد الحكومي أقل كثيرًا من الواقع. فيما يقدر قادة الجمعيات الإسلامية أن 20% من السكان هم من المسلمين.

5. تركستان الشرقية التي أصبحت إقليم شينجيانغ

تقع تركستان الشرقية، موطن مسلمي الإيغور، في وسط آسيا، وقد وصل الإسلام إلى تركستان مبكرًا، وترى بعض المصادر أن بداية وصول الإسلام إلى تركستان كانت في خلافة عثمان بن عفان، على يد الصحابي، الحكم بن عمرو الغفاري، بيد أن مرحلة الوجود الحقيقية كانت في عهد الخليفة الأموي عبد الملك بن مروان على يد قتيبة بن مسلم الباهلي، الذي تمكّن من السيطرة على ربوع تركستان، ونشر الإسلام بين أهلها في الفترة من 83هـ- 702م إلى 94هـ- 712م.

وتوطد الإسلام في تركستان الشرقية، سنة 322هـ- 934م، بعدما اعتنق حاكم الإقليم الخان ستاتول بوجرا الإسلام، وأسلم بإسلامه معظم السكان، وبمرور الوقت أصبح شرق تركستان مركزًا رئيسيًّا من مراكز الإسلام في آسيا.

ودارت الأيام دورتها حتى استولى الصينيون على تركستان الشرقية سنة 1174 هـ- 1760م، بعد أن ضعف أمر المسلمين بها، وقتلت القوات الصينية وقتها مليون مسلم، واتبعت الصين سياسة استيطانية في تركستان الشرقية؛ إذ عملت على نقل كتل بشرية صينية إلى هذه المنطقة. فثار مسلمو الأيغور مرات عديدة، منها: «ثورة جنقخ» سنة 1241هـ- 1825م، واستمرت سنتين، ولم تهدأ ثورات المسلمين طوال 100 عام، منها: ثورة سنة 1272هـ- 1855م، التي استمرت 20 عامًا، بقيادة يعقوب بك، وسجلت أحداثها في كتاب من 330 جزءًا.

وتمكن مسلمو الإيغور بعدها من الاستقلال بتركستان الشرقية سنة 1282هـ- 1865م. ثم هاجمتها الصين واحتلتها مرة أخرى سنة 1292هـ- 1875م.

حصلت تركستان الشرقية على الاستقلال الذاتي سنة 1366 هـ- 1946م، واستطاع المسلمون في تركستان الشرقية أن ينظموا أنفسهم أثناء الحرب العالمية الثانية، وبعد انتهاء هذه الحرب اجتاحت القوات الصينية الشيوعية هذه المنطقة سنة (1368 هـ- 1949م)، وأطلقت عليه إقليم شينجيانغ «Xinjiang»، والتي تعني بالصينية «الحدود الجديدة».

في الوقت الحالي، يعيش المسلمون في معسكرات اعتقال كبيرة، ومنذ عام 2017، بدأت الصين في اعتقال نحو مليون مسلم بحسب بعض الإحصاءات من أجل تجريدهم من ثقافتهم وتراثهم الإسلامي، في وقت أغرقت فيه السلطات الصينية مقاطعة شنجيانغ (تركستان الشرقية) بملايين الصينيين البوذيين المهجرين من أنحاء البلاد وبلغ عدد الصينيين المهجرين حوالي 7.421.992 نسمة، بنسبة 40%، وبلغ عدد المسلمين الأيغور 8.506.575 نسمة بنسبة 45%، حسب التقديرات الرسمية كما جاء في كتاب شينجيانغ السنوي الرسمي لعام 2002م.

6. الفلبين.. العاصمة «أمان الله» أصبحت «مانيلا»

تقع الفلبين جنوب شرقي آسيا على شكل أرخبيل يضم أكثر من 7 آلاف جزيرة، بدأ دخول الإسلام جزر الفلبين في منتصف القرن الثالث الهجري عن طريق التجار المسلمين، ومع سقوط الخلافة العباسية سنة 656هـ- 1258م حدث تحول كبير في تاريخ الوجود الإسلامي بالمنطقة بأسرها، مما أدى لقيام العديد من الممالك والإمارات الإسلامية الصغيرة.

ويطلق اسم «مورو» على المسلمين الذين يعيشون في جزر: مندناو، بالاوان، أرخبيل سولو، الجزر الجنوبية الأخرى من البلاد.

في أوائل القرن العاشر الهجري، وصل الاحتلال البرتغالي إلى بلاد الهند والجزر الإندونيسية، وأرخبيل الملايو، ثم بدأ الاحتلال الإسباني للفلبين سنة 973هـ، إذ وصلت حملة إسبانية ضخمة بقيادة ميجل إلى سواحل الفلبين سنة 973هـ، وبعد قتال عنيف ومرير استولى الإسبان على مملكة «راجا سليمان» في الشمال، ودمر عاصمتها أمان الله وأقاموا مكانها مدينة جديدة أسموها مانيلا.

وانطلاقًا من مدينة مانيلا استولى الإسبان على الجزر الشمالية لقلة عدد المسلمين بها وغلبة الوثنيين، في حين عجزوا تمامًا عن السيطرة على الجزر الجنوبية التي يحكمها المسلمون، فأجبروا السكان على التنصر والتحول إلى الكاثوليكية.

وحاول الإسبان بقوة السلاح منع انتشار الإسلام في شمال الفلبين، ومكث الإسبان في الفلبين قرابة أربعة قرون عرقلوا خلالها تقدم المسلمين وانتشار الإسلام، ولكن استطاع المورو المسلمون الحفاظ على عقيدتهم، وملامح الحضارة الإسلامية خلال تلك الفترة الطويلة من الاستعمار، واستعمل المورو حروف اللغة العربية في كتابة لغتهم.

استمرت المقاومة الإسلامية في الفلبين ضد الاحتلال الإسباني طيلة فترة وجود ذلك الاحتلال أي لزيادة على ثلاثة قرون، أخذت خلالها المقاومة الإسلامية هناك شكل الملحمة التاريخية الرائعة، ومرت بست مراحل لا تكاد تنتهي الحروب من واحدة حتى تبدأ الثانية، بين عامي 1578م و 1898م.

وقد أبدى المسلمون في الفلبين مقاومة باسلة، صارت مضرب المثل في جنوب شرق آسيا، وشعر الإسبان بعجزهم الكبير عن مواجهة المقاومة الإسلامية في الفلبين، فقرروا الاتفاق مع الولايات المتحدة الأمريكية على بيعها جزر الفلبين بمبلغ 20 مليون دولار، وذلك عام 1898م، لتبدأ فترة الاحتلال الأمريكي حتى عام 1941م.

حصلت الفلبين على استقلالها الظاهري من الولايات المتحدة الأمريكية سنة 1946م- 1365هـ، بعد أن تأكدت واشنطن من ولاء النظام الجديد للسياسة الأمريكية، وقيامه بمواصلة محاربة الوجود الإسلامي بالبلاد، وبالفعل بدأت الحكومة الفلبينية تمارس سياسة البطش ضد مسلمي البلاد، وهنا نشأت حركة مقاومة باسم «جبهة تحرير مورو الإسلامية»، ولم يقتصر دورها على مقاومة الحكومة الفلبينية فقط بل كانت تتولى تعليم الدين الإسلامي لأبناء المسلمين.

وعقدت الجبهة مؤخرًا اتفاق سلام مع الحكومة بعد مفاوضات امتدت 17 عامًا برعاية ماليزيا، لينتهي بذلك صراع امتد لأكثر من 40 عامًا راح ضحيته نحو 150 ألف شخص، واستهدف إعادة تنظيم شئون مسلمي جنوب الفلبين الذين تراجع عددهم إلى 6 مليون مسلم، من بين 81 مليون شخص يسكنون الفلبين.

المصدر: ساسة بوست

Get real time updates directly on you device, subscribe now.

مقالات ذات صلة

علق على هذه المادة

التعليقات تعبر عن رأي صاحبها فقط ... كما يرجى الالتزام بالأداب العامة

7 + 3 =