الكسكس وحده يجمع الإتحاد المغاربي.. وحال الإتحاد هو حال حكامه

Ξ بقلم اسيا العتروس لصحيفة رأي اليوم

مرت بالامس الذكرى الثانية و الثلاثين لتاسيس الاتحاد المغاربي دون ضجيج فلا شيء يستحق الاحتفال او الاشادة .. لا خلاف أن حال الاتحاد المغاربي من حال قادته وحكامه وفي ذكرى تأسيسه يبقى الاتحاد المغاربي عنوانا خاويا لا أهداف له ولا نشاطات له وحتى مؤسسة الرئاسة تبقى منصبا فخريا لا يقدم ولا يؤخر من واقع الشعوب شيئا في عالم زئبقي لا يتوقف عن التحرك والتطور رغم جائحة كورونا ورغم كل جوائح العصر.. ربما جاز القول ان الفضاء المغاربي بموقعه الجغرافي الاستراتيجي وبتنوعه الثقافي وبمكوناته الاجتماعية والثقافية والحضارية وبكل ثرواته الطبيعية من نفط وغاز ومن ثروات سمكية وفلاحية ومن كنوز أثرية فريدة في العالم ومن كفاءات في مختلف المجالات ومن شعوبه التي تتميز بأنها من الشعوب الشابة كان يمكن ان يكون تحالفا إقليميا مغاربيا على غرار التحالفات الإقليمية الآسيوية والأوروبية, وقوة اقتصادية وتجارية وعلمية ومعرفية وسوقا اقتصادية مشتركة ومع ذلك فان شيئا من ذلك لم يتحقق ..وها ان أزمة ليبيا تكشف انه لا صوت ولا موقف للاتحاد المغربي في هذا البلد وانه لا قدرة على بقية دول المنطقة التي تصر على الحفاظ على مغربيتها على تجاوز او تأجيل او استئصال أسباب الخلافات الأزلية المقترنة بملف الصحراء الغربية المستعصية ..بعض الخبراء يعتبرون ان أطرافا خارجية ما انفكت تؤجج الفتنة وتمنع التقارب بين المغرب والجزائر والبعض يعتبر ان في مشروع الاتحاد من اجل المتوسط في جزء منه خطوة للتصدي للاتحاد المغاربي الحلم الذي يبدو انه سقط بالتقادم ولن يكون له حظ على الأقل في زمن القيادات الحالية في المنطقة والتي تغرق في قضاياها المحلية التي أعجزتها ولن يكون بإمكانها المغامرة والمجازفة بالذهاب الى الدعوة لإحياء الاتحاد …
الكسكسي وحده يجمع المغاربة؟
قبل عام أعلنت منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة «اليونسكو» تصنيف وجبة «الكسكسي» بمثابة تراث مغاربي غير مادي، في مسعى إلى صون هذا الطبق الذي يحظى بانتشار كبير في منطقة شمال إفريقيا.
وجرى تصنيف الكسكسي تراثا مغاربيا غير مادي، خلال الدورة الخامسة عشرة للجنة الحكومية الدولية للتراث غير المادي.
وجاءت خطوة التصنيف من قبل منظمة الأمم المتحدة، بعد تقديم طلب من أربع دول مغاربية، وهي المغرب والجزائر وتونس وموريتانيا.. والحقيقة أن الاتحاد المغاربي او اتحاد المغرب العربيّ اكبر وأثرى واشمل واهم من طبق الكسكسي وهو الفضاء الذي كان يمكن ان ينافس اكبر التحالفات الإقليمية القائمة وهو الذي يمثل ارث أحزاب سياسية أسست لتغيير وجه المنطقة وهي حزب الاستقلال المغربي، والحزب الدستوري في تونس، وجبهة التحرير الوطنية في الجزائر، حيث أنّ هذه الأحزاب تداولت فيما بينها فكرة إنشاء اتحاد بين هذه الدول من أجل تنشيط وتقوية فكرة التعاون الاقتصادي والسياسي بينها ..
هل يسقط الاتحاد المغاربي بالتقادم؟
– 17فيفري 1989 17 فيفري 2021 كان يفترض ان يكون اليوم مناسبة رسمية وشعبية لإحياء الذكرى الـ32 لتأسيس الاتحاد المغاربي الذي يتجه للسقوط بالتقادم أمام فشل الدول الخمس المعنية وهي تونس والمغرب والجزائر وليبيا وموريتانيا في إنقاذه وتعزيز بقائه وانتعاش وحدته وازدهار شعوبه والأرجح أن الدول المعنية لن تجد في هذه الذكرى ما يمكن الاحتفال به أو استذكاره أو التوقف عنده لتأكيد اهمية التحالف المغاربي في أذهان الأجيال المغاربية التي تتجه أنظارها الى الضفة الأخرى للمتوسط وتحديدا الى دول الاتحاد الأوروبي لتحقيق أحلامها وما تتطلع اليه مستقبلا من عيش كريم واستقرار ورفاهية ..وفي ذلك ربما ما يكفي للتذكير بأهمية التحالفات والتكتلات الاقتصادية والعسكرية والأمنية والسياسية الإقليمية والدولية التي تجمع دول العالم حسب انتماءاتها الجغرافية او الحضارية او التاريخية او غيرها بحثا عن تحقيق التكامل والتضامن المطلوب سواء في زمن الماسي والجوائح او الحروب او في زمن السلم والاستقرار..ولاشك ان في مخاطر جائحة كورونا بعد اكثر من عام على انتشارها في العالم ما يعزز أهمية التضامن الانساني الدولي في مختلف المجالات لاسيما العلمي والطبي لضمان توفر اللقاح لمختلف شعوب العالم دون استثناء لمواجهة تداعيات الجائحة والحد من انعكاساتها على الجميع.. وقد لا يكون من المبالغة في شيء الإقرار بان شعوب المنطقة تدفع اليوم ثمن الجائحة مضاعفا في ظل غياب الاتحاد المغاربي الذي يبرز بالغياب على الخارطة المغاربية والعربية والإفريقية والدولية في أكثر من ملف حارق..
ولعله من المفارقات ان تعلن إسرائيل بالأمس وبالتزامن مع ذكرى تاسيس الاتحاد المغاربي المنسية من الاحداث إنشاء منظمة تضم دولاً عربية خليجية تعنى برفاهية اليهود في الخليج ..اعلان تأسيس «رابطة المجتمعات اليهودية ـ الخليجية» في دول مجلس التعاون الخليجي ودول عربية أخرى سيضم يهودا من هذه الدول وحسب الاعلان فان الرابطة ملتزمة بنمو وازدهار الحياة اليهودية في دول الخليج…والاكيد ان في ذلك درسا مهما حول قدرة هذا الكيان على الاختراق وتحقيق ما يخطط له من اهداف على عكس الأنظمة والقيادات المغاربية والعربية التي تتميز بالتفريط في الفرص والتنافس على مزيد دق إسفين الخلافات وكل ما يفرق بين الأمم والشعوب ويمزق وحدتها ويضعف صوتها ويهمش دورها ومكانتها..
إعلان تأسيس «رابطة المجتمعات اليهودية ـ الخليجية الذي لم تؤكده الدول المعنية لا يخلو من الأهمية والخطورة في آن واحد ومع ذلك فقد مر مرور الكرام في الاعلام العربي الذي لا تستوقفه مثل هذه الاخبار التي تعكس واقع العالم العربي الجديد في زمن جائحة التطبيع المجاني الذي تنفرد به إسرائيل للاستثمار في كل مساحة وفي كل نافذة ديبلوماسية تفتح امامها لخدمة صورتها ومكانتها في العالم وهي الكيان الظالم المحتل الذي يخرق كل قيم العدالة الكونية ويدوس على القوانين الدولية لتواصل التمدد والتوسع ضمانا لمصالحها القومية والأمنية.. والاهم بالتأكيد من الإعلان ذاته انه تزامن مع ذكرى تأسيس الاتحاد المغاربي الذي طواه النسيان وتحول بالتالي الى مجرد عنوان افتراضي لحلم راود الأجيال المغاربية واجتمعت حوله قياداته ايام الاستعمار حينما كانت المعركة الوطنية بوصلتها والاستقلال هدفها فتقاسمت الذخيرة والسلاح وجمعت صفوف رجال المقاومة ومناضلاتها البواسل قبل أن تتفرق وتتشتت وتتصادم وتستهدف بعضها البعض بعد ان نالت الاستقلال وفتحت أمامها الأبواب والفرص والآفاق للاستثمار والتكامل في المناخ الجديد للدولة الوطنية فبددت الثروات واستنزفت الكفاءات وحولت جيوشها وقواتها الى عدو لأبناء الشعب الذي عاش القهر والظلم والحيف ودفع منه من دفع للهجرة للهروب من الواقع المتردي…
نبحث عن انجاز وحيد او حدث او قمة تحسب للاتحاد المغاربي منذ إعلان تأسيسه قبل ثلاثة عقود فلا نجد غير عنوان تائه.. صحيح ان ميثاق التأسيس بجذوره وأهدافه وتطلعاته قائم وصحيح ان المؤسسات والهياكل التنظيمية موثقة وصحيح ان الجانب النظري مسجل وهو مغر في الكثير من جوانبه ولكنه ظل مجرد حبر على ورق.. الاتحاد المغاربي لم يكن أول حلم عربي يسقط بالتقادم بسبب غياب الإرادة السياسية والقدرة على البناء وجمع الصفوف حول مشروع إقليمي وشراكة مغاربية قابلة للصمود والبقاء ومواجهة التحديات الراهنة وأولها الأمن والأمن الغذائي بالدرجة الأولى والاندماج الاقتصادي والمعرفي فلغة الأرقام تؤكد ان كلفة اللامغرب او ثمن اللاتكتل يقدر بـ6 مليار دولار سنويا على مستوى التبادل التجاري إضافة الى خسارة تقدر بـ3 نقاط في معدلات النمو.. مؤسف فعلا الا يبقى من الاتحاد المغاربي غير النشيد الرسمي الذي نظمه الأخضر السايحي الذي تغنى بالاتحاد المغاربي الذي أسسه عقبة الفهري وحسان العظيم :
حلم جدي حلم أمي وأبي
حلم من ماتوا وحلم الحقب
فانشروا رايته خفاقــة
وارفعوها فوق هام السحب
واهتفوا يحيى اتحاد المغرب
عقبة الفهري وحسان العظيم
أسّسا الوحدة من عهد قديم
وحّدا الأنساب في تاريخـنا…
بلسان العرب والدين القويم
كاتبة تونسية

المصدر: رأي اليوم

Get real time updates directly on you device, subscribe now.

مقالات ذات صلة

علق على هذه المادة

التعليقات تعبر عن رأي صاحبها فقط ... كما يرجى الالتزام بالأداب العامة

3 + 6 =