Ξ بقلم الكاتب والاعلامي محمد خليفة
هل تلحق هولندا ببريطانيا؟
من الأزمات التي تكاد تعصف بكيان الاتحاد الأوروبي قضيتا الاقتصاد والهجرة.
ما الذي قد يدفع هولندا إلى ذات الطريق الذي سلكته بريطانيا لتكون هولندا الدولة الثانية التي تغادر الاتحاد الأوروبي؟!
لم يكن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي منشئاً لأزمات هذا الاتحاد بل كاشفاً لها، مُسلطاً الضوء على ثغرات حاولوا تجميلها منذ نشأته.
إذا كان استقر الهولنديون على البقاء بالاتحاد الأوروبي فسينقلبون عندما يضطرون لتحمّل أكلاف ديون دول متعثرة ما يترك آثاراً سلبية على نمط حياتهم.
يرتبط الاقتصاد الهولندي عضوياً بالاقتصاد البريطاني وخروج بريطانيا له تأثير سلبي على اقتصاد هولندا لأنه يرتبط بالاتحاد الأوروبي ككل.
⇐ تحليل
لم يكن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي منشئاً لأزمات هذا الاتحاد بل كان كاشفاً لها، مُسلطاً الضوء على تلك العورات التي حاولوا تجميلها منذ نشأته.
ومن هذه الأزمات التي تكاد تعصف بكيان ذلك الاتحاد قضيتا الاقتصاد والهجرة.
فرغم أن معظم دول الاتحاد تعاني صعوبات اقتصادية جمة، وتعيش ضائقة مالية، إلا أن ظاهرة الهجرة، سواء من دول شرق أوروبا التي انضمت حديثاً إلى الاتحاد الذي كان حكراً على دول غرب أوروبا، أو تلك الهجرة من دول آسيا وإفريقيا، أقضّت مضاجع شعوب أوروبية غربية أصبحت تمقت تدفق أولئك اللاجئين، بأعداد هائلة إلى بلدانها، وتريد الخلاص من مستنقع الوحدة الذي لم يجلب لها سوى الفقر، وزيادة عدد اللاجئين والمهاجرين.
وتعد هولندا من الدول المستقرة سياسياً واجتماعياً، كما أنها نموذج للدولة المتطورة التي خلقت من الضعف قوة، فأرضها منخفضة تحت مستوى سطح البحر؛ لذا تكثر فيها المستنقعات والخلجان، وقد استطاع الشعب الهولندي ردم مساحات واسعة من تلك المستنقعات، وجعلها أراضي ومزارع تدر أرباحاً طائلة.
لكن مشاكل الاتحاد الأوروبي الاقتصادية والديمغرافية قد تسربت إلى هولندا، وزاد خروج بريطانيا من حدة الأزمة فيها، فالاقتصاد الهولندي يرتبط ارتباطاً عضوياً بالاقتصاد البريطاني، وحسب مكتب التخطيط الاقتصادي الهولندي، فإن خروج بريطانيا كان له تأثير سلبي خطير على اقتصاد هولندا؛ لأنه يرتبط بالاتحاد الأوروبي ككل.
وقال محللون إن الخسائر التي قدرت بعشرة مليارات يورو في مجال التجارة يمكن أن تشكل أيضاً نسبة تفوق 65% في حالة تباطؤ الابتكار بسبب انخفاض التجارة. أما الصناعات الكيميائية والإلكترونيات والسيارات والمواد الغذائية التحويلية، التي تمثل وحدها 12% من الناتج المحلي الإجمالي الهولندي، فستكون أكثر تأثراً، إذ إن إنتاجها هو الأكثر ارتباطاً بالتجارة مع بريطانيا.
وما إن أعلن البريطانيون عن خيارهم بمغادرة الاتحاد الأوروبي، حتى أعلنت الحركات الهولندية المشككة في الاتحاد الأوروبي، خاصة حزب الحرية اليميني (العنصري) برئاسة خيرت فيلدرز، عن سعيها لإجراء استفتاء مماثل للاستفتاء البريطاني في هولندا.
فوضعت عريضة على الإنترنت لحمل الحكومة الهولندية على التفكير في تنظيم استفتاء جديد للخروج، أو الاستمرار في الاتحاد الأوروبي.
ورغم أن هذه المبادرة لم تؤخذ على محمل الجد من قبل الحكومة الهولندية، التي لا تخفي رفضها التام لفكرة وضع المعاهدات الدولية للتصويت الشعبي، لكن المواطنين الهولنديين يستطيعون في حالة تقديم عريضة تضم 300 ألف توقيع، إجبار الدولة على تنظيم الاستفتاء.
لكن في الانتخابات البرلمانية التي جرت في هولندا العام الماضي، فازت الأحزاب المؤيدة للاتحاد الأوروبي، وبالإضافة إلى ذلك أكدت استطلاعات الرأي أن 15 بالمئة من الهولنديين يريدون مغادرة الاتحاد الأوروبي، وكانت هذه النسبة قبل ذلك، 25 بالمئة، وقال 65 بالمئة من الهولنديين إنهم يريدون البقاء في الاتحاد.
وقد تركت جائحة كورونا آثاراً اقتصادية كارثية على الاقتصاد الأوروبي ككل، وتوقعت مصادر أوروبية أن ينكمش هذا الاقتصاد بنسبة قياسية تبلغ 7,5 بالمئة!
ورغم خطة الإنعاش التي اعتمدها المجلس الأوروبي، بقيمة 750 مليار دولار، والتي سيتم توزيعها على الدول المتضررة، ورغم التزام الدول الأعضاء بمبدأ المديونية المشتركة التي تقضي أن يدفع الشريك المليء نيابة عن الشريك المتعثر، لكن يبقى السؤال:
في حال عجز الدول المتعثرة لسنوات عديدة عن الوفاء بالديون المترتبة عليها، هل تبقى الدول المليئة مضطرة للدفع عنها؟
يضاف إلى ذلك أن النماذج الاقتصادية للدول الأعضاء متناقضة، وتتطلب علاجات مختلفة، فمثلاً تحتاج إيطاليا إلى بضعة أضعاف ما تحتاجه ألمانيا من موارد لإنقاذها اقتصادياً.
وكانت الدنمارك والسويد وهولندا والنمسا، قد رفضت خطة الإنعاش الاقتصادي، وأصرت على وجوب خفض الإنفاق وتقديم قروض بدلاً من المنح، لكن لأن الدول الأوروبية الفقيرة تملك أكبر نسبة من الأصوات، فقد تم تمرير المقترح.
وإذا كان الهولنديون قد استقر رأيهم على البقاء في الاتحاد الأوروبي، فإنهم سينقلبون عندما يضطرون إلى تحمّل أكلاف ضخمة من ديون الدول المتعثرة، ما يترك آثاراً سلبية على نمط حياتهم. وهذا يدفعهم إلى سلوك ذات الطريق الذي سلكه البريطانيون لتكون هولندا الدولة الثانية التي تغادر الاتحاد الأوروبي.