المغرب: خصوم المستشار الملكي فؤاد علي الهمة يتحركون ضد المغرب في الأمم المتحدة.. سلطوا الضوء على معتقلي حراك الريف و الرأي.. وسنوات الرصاص
≡ همس نيوز ـ عن الأسبوع الصحفي/ إعداد: سعيد الريحاني
هذا المقال نشره موقع الأسبوع الصحفي، إنتقد فيه الكاتب سعيد الريحاني تصريحات جمال بنعمر الذي أعطى تحليل للمشهد السياسي المغربي شبه فيه الواقع المغربي بسنوات الرصاص. لكن في المقابل هناك من يتفق مع جمال بنعمر الدبلوماسي المغربي الذي كان “مستشاراً خاصاً للأمين العام للأمم المتحدة لشؤون اليمن”.
قال سعيد الريحاني:
طبعا، لم يحقق المغرب في ظل وصول بنعمر إلى مهمة نائب الأمين العام أي إضافة تذكر للقضية الوطنية، بل العكس هو ما حصل، وتكرست في عهده المشاكل والتراجعات، وأصبح سوء الفهم كبيرا مع الأمم المتحدة من جهة، والولايات المتحدة الأمريكية من جهة أخرى.. ولكن الغيمة انقشعت بانتهاء مهام بان كيمون وجمال بنعمر على حد سواء(..)، وها هي الولايات المتحدة الأمريكية تعترف بمغربية الصحراء وتؤكد أن الحكم الذاتي هو الخيار المعقول لحل النزاع.
في عز الإحتفاء المغربي بإنتصار دبلوماسي كبير على من يقفون وراء جبهة البوليساريو، اختار جمال بنعمر الترويج لمغرب سنوات الرصاص، بالحديث عن تجربته في منظمة “إلى الأمام”، ورغم أن المغرب طوى الصفحة بتجربة مكلفة ومتميزة عالميا وهي تجربة “الإنصاف والمصالحة”، إلا أن بنعمر اختار أن ينكأ الجراح من خلال تقديم شهادة مفصلة على المقاس، للإساءة إلى المغرب في هذا التوقيت بالذات، وبخلفيات قد يعرفها البعض وقد لا يعرفها آخرون(..).
يقول بنعمر، المنتسب السابق لمنظمة “إلى الأمام”، التي كانت تقوم مبادئها على خدمة البوليساريو ومحاولة إسقاط النظام: ((إن التاسع من يناير، يوم يحمل ذكرى خاصة جدا لا يمكن أن أنساها أبدا، فقبل 45 سنة بالضبط، تم اختطافي من قبل الأمن السياسي المغربي، واقتيادي إلى مقر شرطة الرباط حيث قضيت ليلة طويلة تحت تعذيب بلا هوادة.. وما زالت صورة وجه الجلاد عالقة بذاكرتي.. تم نقلي فيما بعد إلى مركز الاعتقال السري في الدار البيضاء، درب مولاي الشريف، حيث احتجزت لعدة أشهر مكبل اليدين معصوب العينين طوال الوقت، وهناك كان الجلاد الرئيسي هو سيء السمعة “اليوسفي قدور”، الذي فضحت أمره للصحفيين في منتصف التسعينات عندما شاهدته – غير مصدق – في مقر الأمم المتحدة في جنيف، ضمن وفد حكومي رسمي جاء لتقديم تقرير إلى لجنة الأمم المتحدة المعنية بالتعذيب، يسوق زورا وبهتانا التزام المغرب بالمعايير الدولية.. لقد سجنت لمدة 8 سنوات بسبب معارضتي السلمية لنظام مستبد، ولأنني كنت أتطلع مثل كثيرين من شباب جيلي إلى العدالة والحرية…)).
لم تتوقف كلمات بنعمر الذي اختار تقديم شهادة ضد المغرب عند هذا الحد، بل إنه اختار ربطا غير مباشر بين أحداث الأمس واليوم بقوله: ((بعد الإفراج عني، لم تتوقف المضايقات في حقي، بل تعرضت للاعتقال مرة أخرى في أعقاب المذابح التي ارتكبها الجيش في بعض مدن شمال المغرب في يناير 1984، عندما نزل الناس إلى الشوارع للاحتجاج، ثم اضطررت بعدها إلى الفرار من البلاد سرا في قارب صيد، لتبدأ رحلتي الطويلة في المنفى والتي استمرت لأكثر من 20 عاما.. وعلى الرغم من أن ثمن نشاطي كان باهظا جدا، إلا أنني لست نادما على الإطلاق. أنا فخور بأنني وقفت مع رفاقي النشطاء الملتزمين ضد الاستبداد، وساهمت بطريقة متواضعة للغاية في نضالنا من أجل التغيير الديمقراطي.. مات العديد من رفاقي سجناء الرأي دون أن يروا التغيير السياسي الحقيقي الذي كنا نطمح إليه، لكن العديد من جلادينا ما زالوا على قيد الحياة ويتمتعون بتقاعدهم ويستفيدون من حماية الدولة والإفلات المخزي من العقاب. على الرغم من التقدم الذي تم إحرازه، إلا أنني أشعر بمزيج من الأسى والغضب لأنه بعد 45 عاما من الليلة الرهيبة التي تم فيها اعتقالي لأول مرة، لا يزال هناك سجناء رأي في المغرب))..
أكثر من ذلك، حاول بنعمر صب الزيت على النار بقوله: ((لقد حكم على بعض الذين احتجوا سلميا في منطقة الريف من أجل تحسين الخدمات الحكومية في الصحة والتعليم بالسجن لمدة 20 عاما.. إنه لأمر مخز أن يتم سجن المتظاهرين الشباب المسالمين بينما يظل جلادونا طلقاء.. هذا أمر لا يمكن تبريره ويجب أن يوضع له حد وبشكل فوري، لأن استمراره إهانة لنا ولكل أولئك الذين ضحوا بحياتهم من أجل الحرية والكرامة)).
هكذا تحدث بنعمر، بنفس النغمة التي كانت سائدة في المغرب إبان سنوات الرصاص(..)، واستعمل مصطلحات “الجلادين” و”النظام المستبد” و”سجناء الرأي”، وكلها تقنيات لا تقف عند مجرد تقديم سيرة ذاتية، بل إنها تروم توفير مادة خام لخصوم المغرب، داخل الأمم المتحدة وخارجها، ممن يحلمون بتوسيع صلاحيات الأمم المتحدة لتشمل مراقبة حقوق الإنسان(..)، وكذا توفير الحطب اللازم لتدوير معزوفات البوليساريو في هذا التوقيت بالذات الذي يشهد هزيمتها دبلوماسيا على المستوى الدولي .
جمال بنعمر مبعوث الأمم المتحدة إلى اليمن سبق اتهامه بدعم الحوثيين
هل كان بنعمر يتحدث من تلقاء نفسه، أم أنه مدفوع لذلك؟ سؤال سيجيب عنه الزمن، لكن الأكيد، أن توقيت هذا الخروج الإعلامي يطرح أكثر من علامة استفهام؟ فالرجل ومقربوه سبق أن تورطوا في النفخ في احتجاجات الريف، من خلال الترويج للقاء مزعوم مع المستشار الملكي فؤاد عالي الهمة، تم خلاله تقديم مبادرة مزعومة من طرف بنعمر لحل أزمة الريف، وقيل إن الهمة تشبث بالدفاع عن “هيبة الدولة” في مواجهة مقترحات بنعمر في فندق “هيلتون” بالرباط.. وبغض النظر عن صحة كواليس هذا اللقاء، فقد نسب لبنعمر عبر بعض المواقع، تحديه للمستشار الهمة، حيث قال مقربوه إنه ((ينتظر تكذيب المستشار الملكي بنفسه لهذه الأمور، وأن منصبه لا يسمح له بالرد، لكونه يعتبر تدخلا في شؤون دولة أخرى، ومن المعلوم أن تدخل نواب الأمين العام للأمم المتحدة، لا يكون إلا بتكليف رسمي..)).
وانظروا للمفارقة.. عندما يعتبر مجرد موظف تابع للأمم المتحدة نفسه أكبر من كبير مستشاري الملك محمد السادس، ولا يخرج لتوضيح ما ينسب لمقربيه، بدعوى أن منصبه لا يسمح، ألم يكن تدخل الأمين العام للأمم المتحدة بان كيمون، ونائبه بنعمر، في قضية الصحراء، تدخلا سافرا في شؤون دولة أخرى؟ ألم يثبت الزمن اليوم صدق مقاربة الهمة بدل مقاربة بنعمر، الذي كلما حل ببلد وإلا وحل معه الخراب(..)؟
وأخيرا، يمكن التساؤل: ما الذي يمكن أن تضيفه التجربة الدبلوماسية لجمال بنعمر، وهو واحد من خصوم الهمة، بسبب العقدة التاريخية(..)، إلى المغرب؟ علما أن بنعمر تمكن من إنقاذ نفسه دراسيا، بعد دخول السجن في المغرب، وحصل على إثر ذلك على شواهد الدراسة(..)، ولكنه تذكر الجلادين ولم يتذكر مشواره الدراسي وتجربة “الإنصاف والمصالحة”..
لمعرفة جزء من حقيقة بنعمر، التي يختلط فيها ما هو استخباراتي أجنبي، وما هو لعب أممي(..)، يكفي قراءة ما يكتب عنه في الخارج وعن سيرته الذاتية، والبداية تكون من الإشارة إلى كونه ممن تلقوا تكوينات من طرف منظمة “أمنيستي أنتيرناسيونال” المعادية للمغرب والمساندة للبوليساريو، كما يمكن القراءة عن بنعمر باعتباره منحازا للحوثيين في اليمن، وواحدا من مدبري “سقوط صنعاء”، الذين انتهت مهمتهم كوسيط أممي بالفشل، بل إن بعض المعلقين كتبوا عن بنعمر ما يلي: ((لقد كان بنعمر يفاوض الحوثي في صعدة والعاصمة صنعاء تسقط في يد جماعة هذا الأخير، فلما اكتملت هذه المهمة لم يستنكرها بنعمر، بل سارع إلى توفير طوق نجاة لخطوتهم تلك عبر ما سمي بـ”اتفاقية السلم والشراكة الوطنية”.. لقد سمح بنعمر بتدحرج الكرة اليمنية نحو قاع سحيق، وكان في كل مرة يتبع الكرة ولا يحاول إيقافها، وقد بدأ ذلك منذ سيطرة الحوثيين على عمران وصولا إلى سيطرتهم على العاصمة في الحادي والعشرين من شتنبر وفرض وجودهم بترهيب القوة والسلاح إلى أن استقال الرئيس والحكومة و”لهف” الحوثيون الحكم بعد أن نضجت ثماره وتدلت أمام سلبية عجيبة للمجتمع الدولي الذي كان بنعمر رمزه الصارخ والمستفز.. ومثلما كتبت السيدة نداء هلال، المستشارة الإعلامية السابقة لبنعمر، فإن “خطوة دخول الحوثيين لصنعاء، أدخلت العملية السياسية في حالة موت سريري، وقدمت مشروع اليمن الحوثي، وربما اليمن الجنوبي على مشروع اليمن الجديد، وفتحت باب المجهول على مصراعيه”، معتبرة في مقال لها قبل فترة بجريدة “الحياة”، أن “ما حصل لم يكن سقوطا لعاصمة الوحدة فحسب، بل تسليما للدولة ولكل ما تحمله من أعباء راكمتها العملية الانتقالية ومظالم السنوات السالفة، تسليما، بل استسلاما لقوة سلاح إقليمي عاث ممانعة في لبنان وسوريا والعراق، وها قد أحكم قبضته أخيرا على اليمن”)) (المصدر: محمد كريشان/ القدس العربي).
كثيرة هي التعليقات التي تتناول الحديث عن ظاهرة بنعمر في المحافل الدولية، ومنها تقارير تتهمه بالتجسس، وهذه فقرة من أحد التقارير: ((تقدم إليوت برويدي، أحد أهم ممولي الحزب الجمهوري الأمريكي المقربين من الرئيس دونالد ترامب، بدعوى قضائية يتهم فيها قطر بقرصنة رسائل بريده الإلكتروني بمساعدة المبعوث الأممي السابق إلى اليمن، جمال بنعمر، بهدف التأثير على الرأي العام الأمريكي وتليين مواقف واشنطن من الدوحة.. وتقول الدعوى أن بنعمر، الذي يعمل لحساب قطر في الولايات المتحدة، قام بتدبير عملية نشر رسائل البريد المخترقة في الفضاء الإعلامي، بما في ذلك بريد زوجة برويدي، وعدد من الوثائق التجارية الأخرى، في محاولة لتشويه سمعة برويدي وإضعاف انتقاداته للسياسات القطرية…)) (ميدل إيست أون لاين/ الخميس 08/11/2018).