همس نيوز
ينشغل العالم اليوم من شرقه إلى غربه بما يحدث في الانتخابات الأمريكية، فهذه الانتخابات التي تبدو حدثًا محليًا، هي في الحقيقة حدثٌ سيؤثر في حياة الملايين من البشر. لكلٍ مسبباته ودوافعه في عملية التصويت، سواءً في دعمِ جو بايدن أو دونالد ترامب، وينطبق ذات الأمر عند النظر إلى المجتمعات المسلمة في الولايات المتحدة.
سنتعرف في هذا التقرير على الدوافع التي جعلت بعض الناخبين المسلمين يمتنعون عن التصويت، ومن هُنا نحاول فهم الأسباب التي دفعت البعض للتصويت من أجل دونالد ترامب.
توزيع الأصوات المسلمة في الانتخابات الأمريكية
وفقًا لتقرير نشرته صحيفة الإندبندنت الإنجليزية، عرضت من خلاله استطلاع رأيٍ عقده مجلس الشؤون الأمريكية الإسلامية (كير)، يوجد 69% من الناخبين المسلمين الذين صوتوا من أجل جو بايدن في مقابل 17% صوتوا لترامب، و5% لم يصوتوا من الأساس. وقد يبدو من الغريب وجود نسبة من المسلمين صوتوا لترامب، رغم تصريحاته العنصرية تجاه الإسلام والمسلمين.
يُقدر عدد المسلمين في الولايات المتحدة 3 ملايين ونصف نسمة، ويتمركز المسلمون في الولايات المتأرجحة مثل ولاية ميشيجان، وبنسلفانيا، وفلوريدا، وبالنسبة لجو بايدن، كان من الضروري استهداف المسلمين وحشدهم للتصويت إليه ليقلص الفارق مع منافسه في هذه الولايات، وقد حاول جو بايدن من خلال حملته التقرب إلى المسلمين ووضع مقترحات سياساتٍ تصب كما تظهر في صالح المسلمين، مثل إنهاء الحظر على المسلمين، وضمان سماع صوت المسلمين أثناء إدارته للبلاد. وخلال مناظراته ضد ترامب، حاول بايدن استمالتهم من خلال استعمال كلمة «إن شاء الله».
ولكنّ ليس الخطاب العاطفي المبطن بكلمات إسلامية هو من حشد المسلمين للتصويت لبايدن، فيوجد البعض ممن يشعرون بالقلق على أنفسهم وأولادهم من الخطاب العنصري الذي يقدمه ترامب ضد الإسلام، وهُناك مسلمون ممن هم في تيار السيناتور بيرني ساندرز، الذين صوتوا لبايدن لأسباب برجماتية نفعية، لحماية «الديمقراطية» ومن ثم الضغط على بايدن من أجل المزيد من الإصلاح.
وعلى الجانب الآخر، لدى الناخبين المسلمين الذين صوتوا ترامب أسبابهم الخاصة أيضًا، فقد نشر موقع «ميدل إيست آي» تقريرًا يُحاور فيه ثلاثة من المسلمين الداعمين لترامب. فعلى سبيل المثال، يوجد ساجد ترار من ولاية ماريلاند، الذي يدعم ترامب لأسباب اقتصادية، فهو يعتقد بإنجاز ترامب «بخفض معدل البطالة إلى 3.4%». ولم يكن الاقتصاد فقط العامل الحاسم، فساجد يتبنى خطاب اليمين فيما يخص بناء الحائط الجنوبي للتخلص من تُجار المخدرات والمغتصبين، ويعتبره من أهم إنجازات ترامب، ويؤيد ساجد سياسات ترامب تجاه الصين. وعندما سأل عن قرار ترامب لحظر السفر لبعض الدول الإسلامية، كان جواب ساجد أنّ تغطية الإعلام متحيزة ضد ترامب، تقلب الحقائق ولا تظهر تغطية موضوعية.
أما بالنسبة لصبا أحمد بحسب ميدل إيست أي، فإنّ إنجاز ترامب الحقيقي هو: «إنهاء الحروب وإحضار القوات الأمريكية من الدول الإسلامية»، وتدعم صبا الحزب الجمهوري عامةً لأنّهم يمثلون «القيم التقليدية للعائلة، والتجارة، والاستثمار»، ويبين التقرير محادثةً أخرى مع فرحانا شيفا، والتي تنتقد بايدن والحزب الديمقراطي بأنّه يدعي أنّه يهتم بشأن المسلمين وأنّ بايدن في حملته الانتخابية «اقتبس حديثًا للرسول من دون أنّ يفهم الإسلام».
الامتناع عن التصويت.. المسلمون يعيشون أزمة في الهوية
عقد «ساسة بوست» حوارًا مع ناخبين مسلمين يسكنان في ولاية واشنطن، وكان خيارهما الامتناع عن التصويت، فهما يعتقدان أنّ جو بايدن ودونالد ترامب وجهان لعملة واحدة. يذكر حمزة، الفلسطيني الأمريكي لـ«ساسة بوست»: «لا أستطيع أنّ أضع اسمي خلف الاثنين. فترامب عنصري وغبي، وبايدن سيستمر في دفع تعليم الجنسية المثلية في المدارس ودفع المزيد من سياسات الإجهاض»، وعند الحديث عن ميوله الخاصة قال: «أميل للتصويت من أجل ترامب، ولكنّ لا يمكنني أنّ أضع اسمي وراء شخص تحدث بالسوء عن الإسلام».
ويضيف حمزة: «أعرف إمام مسجد صومالي صوتَّ من أجل ترامب، هذا الإمام لا يحب ترامب بكل تأكيد ولكنّ وجود بايدن بالنسبة إليه يعني المزيد من الجنسية المثلية في المجتمع، فعلى سبيل المثال، يعيش الإمام مشكلة يومية، فالمساجد والكنائس ليست جهات ربحية في أمريكا، بل هي جهات غير ربحية لا تدفع ضرائب للدولة، وبسبب أنّهم لا يدفعون الضرائب عليهم اتباع العديد من القواعد، فعلى سبيل المثال، إذا جاء شخصٌ مثليّ يريد الزواج في المسجد، لا يمكن للإمام أو أهل المسجد الاعتراض بل عليهم الامتثال لرغبة هذا المثليّ، وإلا سيغلق المسجد أو سيفرض عليه الضرائب».
ويضيف حمزة لـ«ساسة بوست»: «الحزب الديمقراطي يتقن لغة الوعود الفضفاضة والكلمات الجاذبة، ولكن عند المجيء إلى الفعل: لا شيء. انظر ماذا فعلت هيلاري كلينتون في الانتخابات الفلسطينية (يقصد اقترحت تزوير نتائج الانتخابات لمنع حماس من الصعود إلى السلطة وكانت ضد أي عملية انتخابات على الأراضي الفلسطينية)، وما الذي فعله أوباما بقتل المسلمين بالدرونز أو ماذا يريد أن يفعله بايدن في تركيا».
أما بالنسبة لطارق التركي الأمريكي فيصرح لـ«ساسة بوست»: «كانت أول مرة أصوت فيها في حياتي 2019 في الانتخابات الأولية للحزب الديمقراطي، وأعطيت صوتي لبيرني ساندرز، لا أتفق مع كثير من سياسات ساندرز مثل دعمه للمجموعات المثلية أو خارجيًا مثل دعمه للجماعات الكردية في سوريا، ولكنّي أعتقد أنّه رجلٌ متسق مع ذاته وصادق، لا يتلون مع مزاج الناخب».
وعندما سُئل عن سبب معارضته لبايدن قال: «جو بايدن سياسي ضفدعيّ، يُغير سياساته وفقًا للناخب الأمريكي، ومن ثم ينصاع لأمر ممولي الحزب الديمقراطي، لقد وُضعنا بين خيارين أسوأ من بعضهما البعض: بايدن أو ترامب».
ويضيف طارق في حديثه لـ«ساسة بوست»: «هُنالك مشكلة متجذرة في النظام السياسي الأمريكي تجعلنا نحن المسلمين في حيرة دائمة، وهي الثنائية المزعجة بين الجمهوريين والديمقراطيين، وسبب هذا النظام هو برأيي قوة ماكينات الإعلام، فهي تبرز المرشحين المفضلين بالنسبة إليهم».
وعن التصويت لأجل ترامب يقول طارق: «ترامب ظاهرة جديدة في السياسة، شعبويّ ما في قلبه على لسانه. لا يوجد خطٌ ناظم لسياسة ترامب الخارجية، ولكنّي أؤيده في الكثير من الملفات. فعلى سبيل المثال، أنا أؤيد ترامب في موقفه الحاسم مع الصين، وأتفق مع ترامب في سياسته الصارمة تجاه إيران، ولكنّي لا أؤيد سياسات العقوبات الإيرانية لأنّ الشعوب هي التي تتلقى الضرر».
ويضيف طارق عن سوريا: «أيدت قرار ترامب الانسحاب من سوريا، لأنّي أعتقد أنّ دور تركيا في سوريا سيكون أفضل بالنسبة للشعب السوري، ولأنّ تركيا ستتبع مصلحتها، فهي ستكون أكثر حزمًا في التعامل مع الجماعات الإرهابية الكردية في سوريا». وعندما سُئل عن القضية الفلسطينية، ذكر طارق أنّه: «لا فرق بين بايدن وترامب، الفرق الوحيد هو أنّ ترامب صريح، والآخر سيلعب من تحت الطاولة مع استخدام الكثير من كلمات حقوق الإنسان».
ولدى المسلمين في أمريكا أيضًا تطلعاتهم الإقليمية النابعة من أصولهم بوصفهم مهاجرين من مناطق مختلفة، وفي هذا السياق يضيف طارق لساسة بوست: «كان يخطر لي بين الحين والآخر التصويت لبايدن، ولكنّني تركي أمريكي، فعندما شاهدت مقابلة جو بايدن التي ذكر فيها بأنّه يريد إسقاط أردوغان ودعم عناصر المعارضة، قلت في نفسي يستحيل أن أصوت لهذا الرجل!».
ويختم طارق لـ«ساسة بوست»: «في واقع الأمر، أعتقد أنّ المسلمين في أمريكا يعيشون أزمة هوية، فمن جهةٍ يشترك المسلمون مع الجمهوريين في العديد من القضايا الاجتماعية مثل العائلة، ولكنّهم يواجهون العنصرية من هؤلاء الجمهوريين، ومن جهةٍ أخرى أكثر سياسية، نرى الديمقراطيين هم الذين يدافعون عنّا». ويضيف: «ولكنّ ما يصيبني حقًا بالغيظ توقعات الديمقراطيين أنّه إذا دافع عنك هذا يعني أنّه ضمن صوتك، ومن هُنا ستفهم تصريحات بايدن عندما صرّح في مقابلة له: إذا لم تصوت لي فإنّك لست أسود حقيقيًا».
ليس من الضروري أنّ دوافع المصوتين التي ذكرناها للتو في هذا التقرير كافية لفهم الناخب الأمريكي المسلم، فالسلوك الانتخابي في غاية التعقيد، ودوافع الناخب عادة ما يتقاطع فيها ما هو ذاتي يخص الناخب نفسه، وما هو جماعي يخص التوجه العام للجالية المسلمة في كل ولاية.