بالحشاني زيد
إن فيروسات «كورونا» هي زمرة واسعة من الفيروسات تشمل فيروسات يمكن أن تتسبب في مجموعة من الاعتلالات في البشر، تتراوح ما بين نزلة البرد العادية، وبين المتلازمة التنفسية الحادة الوخيمة. كما أن الفيروسات من هذه الزمرة تتسبب في عدد من الأمراض الحيوانية.
وفي المصطلحات الربانية يعتبر فيروس «كورونا» وباقي الفيروسات جنود من جنود الرحمن يسلطها على من يشاء، يقول سبحانه وتعالى في سورة المدثر: «وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ ۚ وَمَا هِيَ إِلَّا ذِكْرَىٰ لِلْبَشَرِ».
في المائة سنة الأخيرة، وتحديدًا بعد رسم حدود «سايكس – بيكو»، وقيام الحكومات العربية الوظيفية، التي قامت على أنقاض الجسم المريض العثماني، أي بقية ما تبقى من جسد الأمة الواحد، قامت هذه الحكومات مقام الاستدمار الغربي، من ضبط الشعوب العربية الإسلامية، وتحديد مساراتها وحياتها وحتى آمالها. فكانت هذه الحكومات كالسيف المسلط، والسوط الهاوي على كل ما يقيم هذه الأمة، ويقوي وجودها وينمي وحدتها، ويأخذ بيدها نحو الآفاق.
حكومات تمثل داعميها ومطبليها، وتسعى أو تسهر على تنفيذ مشروعاتهم ومخططاتهم في أوطاننا، فكانت مرحلة صناعة الزعامات بعد الثورات التحررية، كالناصرية في مصر، والقذافية في ليبيا، والهوارية في الجزائر. ولو رجعنا للتاريخ وأحداثه بالدراسة والتحليل لوجدنا أن كل الزعامات خدمت الغرب وساعدت من قريب، أو من بعيد في زرع الكيان الصهيوني، الكيان الذي نخر جسد أمتنا، وصار كالورم الذي يمنع باقي الأعضاء من التشافي.
وتوالت الحكومات تلو الحكومات، والسياسات تلو السياسات، والاتفاقيات الواحدة تلو الأخرى، كل ذلك ليبقى الوطن العربي الإسلامي نائمًا مريضًا لا يقوى على شيء.
وكما يقول المفكر الإسلامي حاكم المطيري: لقد أثبتت الأيام والأحداث والوقائع أن مشاكل العالم العربي واحدة ومتشابكة لا انفصام بينها، ولا يمكن حلها حلًا قطريًا مهمًا تصور الواهمون ذلك، فالنفوذ الأجنبي في أي قطر عربي يمثل تهديدًا مباشرًا وحقيقيًا لسيادة الأقطار الأخرى المجاورة له على فرض استقلالها، فقد تم احتلال العراق من عمقه العربي الإستراتيجي؛ مما أدى إلى استثارة العالم العربي كله من أقصاه إلى أقصاه، وصارت القوى الإصلاحية قومية أو وطنية أكثر إدراكًا للمشكلة وأبعادها، بعد أن رأت خطورة سقوط أي بلد عربي تحت الاحتلال الأجنبي، وخطورة قواعده العسكرية في أية دولة عربية، وأدركت أن مشروعاتها القطرية ستكون كلها في مهب الريح أمام مثل هذه الأخطار الخارجية؛ مما يستدعي النظر في مشروعية الدولة القطرية ذاتها في المنطقة العربية كلها، بعد أن أثبتت الأحداث عجز الدولة القطرية في العالم العربي عن حماية وجودها كما جرى في العراق، وعجزها عن القيام بمسئولياتها القومية كما جرى في مصر، فقد عجزت السلطة فيها عن فتح معبر حدودي لظرف إنساني في ظل حرب عدوانية على قطاع غزة المحاصر.
ومن أثر ذلك أننا نرى قهر المسلمين العرب وغير العرب، من بطش الدول والحكومات بهم، والتنكيل والتضييق عليهم، الإيغور ومسلمو بورما، وأهلنا في العراق وسوريا، واليمن السعيد الذي بات كئيبًا حزينًا بفعل التحالف غير الإسلامي، وليبيا اليوم التي ليست هي ليبيا الأمس القريب.
تداعت جميع الأمم علينا تداعي الجوعى على قصعة الطعام، تحلقوا علينا كما يتحلق قطيع ضباع حول جثة غزال أنهكه التعب والجري فرارًا بالروح، وحفظًا للنفس. تحالفت الأمم بحكوماتها وبرلماناتها وجيوشها وحتى إعلامها، كما تحالفت الأحزاب يوم الخندق على مجتمع فتي، بدأ للتو بناء نفسه ووضع أسس دولته.
لكن سنن الله لا تنقطع عن مظلوم، ولا تنسى أواهًا ولا داعيًا منيبًا، أرسل الله جنده وجنوده، فمزقت وفرقت الجموع، وتطايرت الرؤوس عن رقابها، وما ربك بظلام للعبيد.
كذلك تتجدد سننه كلما تجدد ظلم الظالمين، وتجبر الطغاة، فما هي إلا أشهر من قهر الحكومة الصينية لشعب الإيغور، وحصارها له، حتى أرسل رب العزة جنديًا من جنوده، فيروسًا مجهريًا يسمى «كورونا»، قهر كبرياءهم وحطم جبروتهم، وأعلن عليهم الحصار، حصار مدن كاملة، وفي غضون أيام صار شبه حصار دولة كاملة، حين أجلت كل دولة رعاياها من الصين، وعلقت الرحلات إليها.
يقول سبحانه وتعالى: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَاءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا وَجُنُودًا لَّمْ تَرَوْهَا ۚ وَكَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرًا».
وما لبث هذا الفيروس أن زار معظم دول الغرب وأمريكا معلنًا القوة والعزة لله وحده، فما من قوة علت وطغت وتجبرت، إلا وينزلها الله أو يكشف هوانها بأصغر مخلوقاته وأهونها.
وقصص القرآن مليئة بذكر حوادث مشابهة، فيوم الخندق أرسل الله على الأحزاب ريحًا صرصرًا وملائكة مقاتلين، ويوم الفيل أرسل الطير الأبابيل، وأرسل على بني إسرائيل القمل والجراد.